بقلم المهندس/ طارق بدراوى
أنشأ هذا المسجد الأمير قاني باي السيفي الشهير بقاني باي الرماح عام 908 هجرية الموافق عام 1503م في أيام السلطان المملوكي قنصوة الغوري الذى حكم مصر بين عام 1501م وعام 1516م وألحق به سبيل وكتاب وقبة ومن ثم أصبحت هذه المنشآت تمثل مجموعة سميت بمجموعة الأمير قاني باى الرماح كما كان يوجد خلف هذه المجموعة قصر بناه هذا الأمير لسكناه وهو أحد أمراء السلطان الأشرف قايتباى وكان في الأصل مملوكا جاء إلي مصر صغيرا دون سن الحادية عشرة وإشتراه رجل يدعي ولي الدين قبل أن يشتريه السلطان قايتباي وبعدها أصبح موضع عنايته حتي أنه أعتقه ومنحه المال والأسلحة والخيل وقام بتعيينه في عدد من الوظائف وترقى إلى أمير عشرة سنة 1493م ثم عين أميرا لحلب ثم عاد إلى مصر مرة أخرى وتزوج إبنة الأمير يشبك من مهدى الست سعد الملوك وأنجب منها إبنه الناصري محمد قرا وفي سلطنة محمد بن قايتباي مابين عام 1496م وعام 1498م أصبح مقدم ألف في عام 1496م وفي العام التالي 1497م ترقى إلى أمير آخور كبير أى الأمير المشرف على الإصطبلات السلطانية ثم أفل نجمه لبعض الوقت إذ تعرض لوشاية ذهبت به إلي السجن وعندما تولي السلطان الأشرف جانبلاط أفرج عنه وأعاده إلي منصب أمير آخور وفي عصر السلطان قنصوة الغوري سطع نجمه مرة أخرى وأوكل إليه السلطان الغوري القيام بعدة مهام أهمها أنه ترأس حملتين عسكريتين للشام ضد الشاه إسماعيل الصفوي الأولي خلال عام 913 هجرية الموافق عام 1508م عندما تخوف السلطان الغوري من إغارة الصفوي علي حدود مصر الشرقية والثانية خلال عام 920 هجرية الموافق عام 1514م وكان ما إرتكبه قاني باي وعساكره من أفعال بحق الحلبيين سببا مباشرا في نقمتهم علي المصريين حتي أنهم سارعوا في التعاون مع السلطان سليم بن عثمان حينما طرق المملكة المصرية في عام 922 هجرية الموافق عام 1516م و كانوا معه في حربه ضد السلطان الغورى سلطان مصر و دورهم في معركة مرج دابق التي قتل فيها السلطان الغورى معروف ومشهور وقد إشتهر قاني باى الرماح بمساعدته لفقراء الحجاج الذين كانوا يصاحبونه في موكب الحج الرسمي كما كان شغوفا بإقتناء الكتب وجمع المصاحف قد إشتهر بالشجاعة والفروسية وبإجادته اللعب بالرمح ولذلك فقد أطلق عليه لقب الرماح وقد توفى عام 921 هجرية الموافق عام 1515م ودفن بالضريح الموجود بمسجده والذى يقع تحت القلعة بالجانب البحري من ميدان محمد على بحري مسجد المحمودية وهو مبنى على ربوة عالية وله واجهتان إحداهما شرقية وبها واجهة الإيوان الشرقي والقبة والثانية قبلية وبها واجهة القبة والمدخل الرئيسي والمنارة .
وقد أنشئ هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد إذ يشتمل على صحن مكشوف تحيط به أربعة إيوانات معقودة ويعد هذا المسجد من المساجد المعلقة وبه عدد من الحجرات التي توجد بها مزاغل بالواجهة القبلية ويمكن الوصول إلى باب المسجد ببضع درجات تؤدى إلى باب لبس عتبه الحجري برخام ملون ومكتوب على جانبه أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة من فضل الله المقر الشرف العالي المولوي السيفي قاني باي أمير آخور كبير أعزه الله تعالى وقد إختلف هذا المسجد عما سبقه من مساجد المماليك الجراكسة في طريقة تسقيف إيواناته فبينما نرى أسقف المساجد التي أنشئت في هذا العصر إتخذت من الخشب وحليت بنقوش مذهبة جميلة نرى أسقف هذا المسجد إتخذت جميعها من الحجر على هيئة عقود متنوعة الأشكال تحملها أكتاف حجرية مربعة وفي لجمله فإن هذه المجموعة تعد علامه مميزه في أعمال النحت و الزخرفة علي الحجر في العصر المملوكي وإيوان القبلة يغطيه قبة فطساء كروية مبنية من مداميك من الحجر الأبيض والأحمر على التعاقب ومحملة علي أربع عقود أحد هذه العقود هو المطل علي صحن المسجد ويكتنفها قبوان دائريان من الجانبين والإيوانان الجنوبي والشمالي صغيران وعقودهما مدببة والإيوان الغربي سقفه معقود بقبو متقاطع والمحراب الرئيسي للمسجد يقع في الواجهة الجنوبية للمسجد في صدر إيوان القبلة وهو من الحجر ويجاوره منبر صغير من الخشب حشواته مطعمه بالعاج وترتفع المئذنة على يسار الباب الرئيسي وهي مبنية من الحجر وتشبه إلي حد كبير المئذنة التي أضافها السلطان قنصوة الغورى للجامع الأزهر والتي تعتبر أحد العلامات المميزة في سماء القاهرة وهي مؤلفة من ثلاثة طوابق جميعها تعتمد على المسقط الأفقي المربع فالطابق الأول المتعامد الأضلاع نجد بوسط كل ضلع من هذه الأضلاع الأربعة فتحة إضاءة مربعة تتوسط حنية على جانبيها عمودان رخاميان رشيقان يحملان عقدا مدببا ويتوج الطابق الأول صفوف من المقرنصات الحجرية التي تحمل شرفة آذان مربعة ذات سياج خشبي أما الطابق الثاني فقد جاء متعامد الأضلاع أيضا عوضا عن إستخدام المقطع المستدير أو شكل المثمن كما هو الحال في أغلب المآذن المملوكية ولكن هذا الطابق جاء أقل إرتفاعا وسعة من الطابق الأول وكأنه صدى له حتى فيما يتعلق بالمقرنصات التي تتوجه إذ جاء عددها أقل أيضا وعمد المهندس الذي أبدع هذه المئذنة إلى الحفاظ على إيقاع دوراتها فجعل الطابق الثالث متعامد الأضلاع أيضا ولكن على هيئة بدنين مربعين صغيرين حليا بالمقرنصات وتوج كل واحد منهما بخوذة قبة صغيرة تعرف في مصطلح العصر المملوكي بإسم القلة وهذه الوحدة التي تجمع مكونات المئذنة مع الحفاظ على إيقاع السعة والإرتفاع المتناقص كلما إتجهت الى أعلى منحت مئذنة قاني باي شخصيتها المتفردة وسط كل مآذن ميدان القلعة وهذا النموذج من المآذن المملوكية ظهرت له نماذج تميزت بإستخدام الرأس المزدوجة في قمة المئذنة ولكن مئذنة قاني باي تختلف عنها في إعتماد المقطع المتعامد لكل أجزائها .
وملحق بهذا المسجد قبة ضريحية كانت هي أول ماتم بناؤه من هذه المجموعة وهذه القبة من القباب الحجريه العملاقة التي لم نر لها مثيل خارج مدينة القاهرة وهي من النماذج القيمة التي تتجلي فيها عظمة القباب المملوكية فهي بارزة عن واجهة المسجد الرئيسية وبنواصيها عمد حجرية منقوشة ونقش سطحها الخارجي بزخارف مورقة جميلة علي طراز الأرابيسك جعلت خوذة القبة عنوانا على تآلف الفن المعماري مع الفنون الزخرفية الإسلامية ونقشت حول رقبة هذه القبة كتابة بخط الثلث المملوكي نصها بسم الله الرحمن الرحيم الله لا اله الا هو الحي القيوم أمر بانشاء هذه القبة المباركة المقر الأشرف الكريم العالي السيفي قاني باي أمير آخور كبير الملكي الأشرفي أما جدران القبة من الداخل فقد غشيت بوزرة رخامية إنتهت بإفريز لبست فيه زخارف بالمعجون الملون كما نقش عقد المحراب وطاقيته بجفوت متقاطعة ومكتوب أعلاه بسم الله الرحمن الرحيم قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ويحيط بمربع القبة من أعلى إفريز كتابي نقش به بسم الله الرحمن الرحيم وسيق الذين إتقوا ربهم إلى الجنة زمرا صدق الله العظيم أمر بإنشاء هذه القبة المباركة المقر الأشرف الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري السيدي السندي الذخري العضدي المالكي المخدومي السيف قاني باي أمير آخور كبير الملكي الأشرفي بتاريخ مستهل شعبان المكرم عام ثمان وتسعمائة ومكتوب على باب القبة بسم الله الرحمن الرحيم إدخلوها بسلام آمنين ويعلوه سطر مكتوب فيه اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافة الدائمة في الدارين وكان هذا المسجد قد أهمل أمره فترة طويلة من الزمن وبنيت أمام واجهته بعض الدكاكين والمتاجر التي شوهت منظره ثم سقطت مئذنته الأصلية عام 1870م في عهد الخديوى إسماعيل وقد تسلمته لجنة حفظ الاثار العربية عام 1914م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني وبدأت تجرى به أعمال التجديد والإصلاح فأزالت الدكاكين من أمام الواجهة ورممتها وأزالت سقفا محدثا كان يغطى الصحن وأعادت بناء الإيوان الغربي ودعمت المباني الحاملة للمسجد وأصلحت قاعدة المئذنة وإنتهت أعمال الإصلاح عام 1916م في عهد السلطان حسين كامل وفيعام 1939م في عهد الملك فاروق قامت اللجنة بإعادة بناء المئذنة مرة أخرى على أصلها إعتمادا على صور أرشيفية قديمة للمسجد وإسترشادا بمئذنة جامع رماح الذي كان قد بناه بالناصرية بحي السيدة زينب عام 911 هجرية الموافق عام 1506م .